ذكر مع وقف التنفيذ
يقف على باب غرفة العمليات في المشفى ينتظر خبر ولادة زوجته للصبي الذي لطالما حلُم به.
تخرج الممرضة و هي تحمل بين زراعيها ذلك الطفل اللطيف الملتف داخل الغطاء الأبيض " مبروك جالك ولد، هتسميه أيه؟"
-" ياما أنت كريم يارب، ده جاي بعد شوقه هيبقى ليه الدلع كله ده، هسميه كريم إن شاء الله"
أخذ الطفل من بين يديها و بدأ في تقبيل رأسه و كفيه، دلف لزوجته الغرفة بالطفل و بدأ كلاهما تبادل أطراف الحديث.
- " هتسميه أيه ؟"
- "كريم إن شاء الله زي ما أتفقنا"
تدخلت والده الاب في الكلام :" بس مينفعش حد يعرف إنك جبت ولد، اللي يسألك قوله بنت و اسمها كريمة، لحد ما يشد حيلة شوية ليتحسد"
- " ايه يا أمي الكلام ده؟ ازاي يعني!"
- " أسمع الكلام، أنت متعرفش النسوان و عينيها و قرهم، و أنت ابنك جاي بعد عذاب "
ذعن لكلامها بعدم رضا : " اللي تشوفيه يا حجة "
وشرع في أحتضان و تقبيل طفله مرة أخرى.
منذ البداية و بدأت العائلة بالتعامل مع كريم على أنه فتاة، يربطون شعره الذي لم ينمو بعد برباط وردي اللون، يضعون له قرط لاصق مزيف ليزيد الناس تصديقًا لأنوثته، بل و أحيانًا يضعون له طلاء الأظافر، ناهيك عن تلك الفساتين القصيرة التي يجعلونه يرتديها دومًا.
- " هنفضل لحد أمتى كدا يا أمي ملبسين الواد لبس بنات و بنعامله على إنه بنت! ده بقى ٤ سنين يا حجة، أنا عاوز أخده معايا الشغل و أفهمه كل حاجة و يتعود على كارنا و منها بردو أعرف الناس كلها إن عندي صبي هيشيل اسمي "
قالها عبد الظاهر بصوت ممتلئ بالحنق الشديد
- " هتفضل طول عمرك جاهل، ده عيل لسه شغل أيه اللي هتعرفهوله! لسه لما يجي داخل المدرسة يا واد "
قاطع حديثهم دخول كريم و هو يبكي أو يمكننا أن نقول كوكو كما يدعونه.
-" تعالي يا حبيب تيته يا ثغنن بتعيطي ليه يا بطة؟"
رد عليها الصغير بصوت ناعم و رقيق نتيجة لرقة التعامل معه و مع أحاسيسه كفتاة صغيرة : " ماما مش راضيه تحطلي روچ زي كل يوم "
- " أنا هحطلك ملكيش دعوة بيها يا كميلة أنتي"
وشرعت الجدة في وضع أحمر الشفاه للصغير تحت نظرات غضب الاب و الأم مما تفعله.
بعد مرور عامين..
- " يلا يا كريم ده أول يوم مدرسة"
ابتعد كريم عن حضن جدته بصعوبة و هو يختنق من شدة البكاء : " مش عاوزه أروح، عاوزه أقعد في حضن تيته "
زجره الأب : " اسمها مش عاوز، أنت راجل و تتكلم زي الرجالة"
- " وديتو شعري فين؟ ليه قصتوه و شيلتو التوك اللي كنت بحبها!"
فالها الطفل و سقط على الأرض تعجز قدماه عن حمله
- " هنقعد نقول كتير إنك راجل و الرجالة شعرهم قصير؟ "
حاولت الأم التبرير ولكن دون جدوى
و من هنا بدأت معاناه الطفل في التعود على كونه ذكر بعد معاملته كأنثى لمدة ست سنوات كاملة، تكونت خلالها هويته الجنسية بالفعل كأنثى نتيجة تعامل أسرته معه.
بعد مرور عامين ..
-" يلا يا كريم تعالى العب معانا كورة "
إنه زياد جار كريم يعرض عليه اللعب
- " لا أنا قاعد بسرح شعر العروسة بتاعتي عشان منكوش"
رمقه الطفل بنظره تعجب و ذهب و سار في طريقه
بعد مرور عام آخر..
- " ايه رأيك يا كريم في الشورت ده؟"
- " شورت ايه يا ماما؟ أنا بتكسف حد يشوف رجلي، هاتيلي بنطلون أحسن"
بعد مرور عامين..
يجلس كريم وسط تجمع من الأناث في فترة تناول الطعام بالمدرسة..
- " بصوا أحمد شعره حلو ازاي؟"
قالتها مريم و هي تعبث في خصلات شعرها
- " على فكرة بقى هو صاحبي و بيقعد معايا كل يوم جمب بيتنا نلعب سوا "
ما المتوقع إنكم تعرفون قائل العبارة، إنه كريم و الغيرة تلمع في عينيه
- " عادي يا كوكو ما أنتوا ولاد زي بعض، إنما أنا معجبة بيه "
-" و هو هيبصلك أنتِ! أنا عارف ذوقه كويس، مش بيحب البنات التخينة "
-" أنا تخينة؟ وبعدين أنت مالك و غيران ليه كدا؟ معجب بيه و لا ايه"
قالتها بسخرية مما دفع الجميع للضحك
وصل الكلام بعد ذلك للصبية فبدأوا بأعتراض طريق كريم و ضربه بل و التحرش به أحيانًا بالقول و اللمس لجسده!
ظل كريم يتحمل تلك الصراعات داخل رأسه بين ما هو مرغوب و بين ما هو مفروض بالفعل من قبل الدين و الفطرة و العادات والتقاليد..
هو يحارب رغبته بإظهار تلك الرقة و الدلال اللذان اعتاد على إظهارهم في طفولته و يحاول تقمص دور الذكر القوي الذي لا يهتز..
ظل على تلك الشاكله حتى وصل لأكثر فترات المراهقة اشتعالًا و التي تظهر بها جميع الرغبات الجنسية المكبوتة، كريم الآن يبلغ من العمر ثمانية عشر عامًا و مازال لا يستطيع إنكار انجذابه للذكور بطريقه مهوولة.
يجذبه ذلك الشعر على سيقانهم و أذرعهم بينما كان يزيل هو خاصته بالشفرات دون علم والديه، بل و يتعمد ارتداء الملابس المغلقة كي لا يتنبه لذلك أحد و يشك في أمره، دومًا ما يدقق في تلك العضلات المفتولة و تلك اللحية الرجولية الداكنة، و بنفس الوقت يكرههم به و يبذل أقصى طاقته في اخفائهم و وضع المرطبات.
وللأسف بدأ كريم كأي مراهق جديد بتصفح مواقع الأفلام الإباحية، بل و تجذبه نوعية معينة من الفيديوهات جميعنا نعرفها.
وذات ليلة شعر بإن كبت رغبته يقتله و أنه يريد تفريغ تلك الطاقة بصورة متبادلة، فقد سئم من تفريغها معتمدًا على ذاته.
قرر كريم إن يبحث عن شريك له من مواقع التواصل الاجتماعي، بل و يقابله أيضًا، أراد البحث عن شخص غريب لا يعرف عنه شيء حتى يكون مطمئن إنه لا أحد سيعرف عنه أو عن ميوله شيء.
و بالفعل تواصل مع أحد الشباب و أتفقا على اللقاء في مكان بعيد عن منطقته كي لا يعرفه أحد.
أخرج كريم كل الملابس التي يحب فيها إظهارها لتفاصيل جسده و منحنياته و بدأ في كويها و من ثم ارتدائها و تصفيف شعره، وضع الكثير من العطر عند رقبته و معصم يديه و وضع مرطب شفاه وردي فاتح اللون لن يلاحظه أحد إلا إذا كان لديه خبرة.
خرج كريم و تنقل في وسائل المواصلات حتى وصل إلى وجهته.
تناول هاتفه من حقيبة يده و بدأ في تجربة الاتصال بالرقم..
- " الو، ايه يا عيوني أنت فين؟"
قالها بصوت أنثوي للغاية، إن وقفت أمامه الشاب ستبحث متعجبًا عن مصدر خروج هذا الصوت
- " أنا جاي أهو يا قلبي، أنت فين؟ "
- " أنا لابس شميز أزرق و واقف أهو جمب الكشك مستنيك"
رأى الشاب كريم من ظهره و أقترب منه..
- " أنا شوفتك أهو و جاي "
أقترب من كريم مجموعة من الشباب و بدأوا في جذبة من ملابسه و ضربة ضربات متفرقة..
- " تعالى يا روح أمك، بتدور على راجل؟ تعالى أحنا هنظبطك عشان تتعدل "
بدأ الشباب في ضرب كريم ضرب مبرح حتى نزف من أنفه و فمه، قاطع ضربهم صوت صراخ شاب منهم : " كريم؟ أنت أيه اللي جابك هنا؟ هو أنت منهم يا ابن خالي!"
نظر له كريم بكسرة لم يسبق لها مثيل على وجه الأرض.
-" كفاية ضرب فيه سيبوه! "
نظر الشباب لبعضهم في حيرة، لا يدرون ما يقولونه في مثل هذا الموقف، انسحبوا في صمت، تلك المرة الأولى التي يتركون فيها أحد من تلك الفئة دون أن يُفقدوه وعيه، ولكن خيبة و طأطأت رأس صديقهم عند معرفة أن الشاب تلك المرة هو قريبه جعلهم يدخلون في صدمة.
أوصل بعض المارة كريم لبيته و هو لا يقوى على السير، كان يعلم داخله إن والده سيقتله حالما يراه، ولكن تفاجأ به يجلس و هو يضع يده على قلبه و عيناه ممتلئه بالدموع.
صاحت جدته : " ده معمولة عمل هنوديه للشيخ جعبل يفكه"
- " كفاية جهل بقى، أنتِ السبب! أنتِ اللي بوظتيه"
صرخ والده بغضب
- " أنا السبب! بعد ما ربيتك و ربيته و ربيت اخواتك بقيت أنا اللي بوظته"
بكت جدته بحرقه
اقتربت والدة كريم منه و احتضنته : "هنروح عند دكتور نفسي و هتبقى طبيعي و زي الفل "
بكى كريم داخل أحضان والديه : " أنا أسف، كل ده غصب عني والله، مش بأيدي"
- " ملكش دعوة بكل اللي الناس هتقوله، هنسيب المنطقة و نروح حته تانية، هنعالجك و نبدأ من جديد، أنا مليش عيال غيرك"
قالها الأب و هو يقبِّل رأس ابنه
و من هنا بدأت محاولات الأهل الصواب في تصحيح الخطأ الجسيم الذي ارتكبوه في حق ابنهم أثناء تربيته، ولحسن حظه كان والديه ايجابيين و تصرفوه بشكل صحيح، إما عن الاغلبية فللأسف يعتبرونه عار و قد يقتلون الابن أو الابنه.
" لا تكن سلبي تصرف بشكل عقلاني سليم"
"تذكر دومًا أنه عند التربية : الذكر ذكر و الأنثى أنثى"
لـ منه الأباصيري "لاڨا"
_حملة واعي للتوعية المجتمعية
تعليقات
إرسال تعليق