"قطة" قصة قصيرة بقلم الكاتبة منى بيبرس
جلست أمامه بشعرها البني الطويل المتناثر حول
وجهها في فوضى محببه ، ونظراتها الحادة التي طالما ذكرته بنظرات هرة شرسة متأهبة
للصيد وقالت بغرور ها المعهود عندما تتحدث عن نفسها " نعم ، لست اول رجل
يخبرني بأني اجمل النساء ، ولست اول من قال ان من يراني لايملك سوى الوقوع في حبي
، ولست آخرهم ايضا ، فأنت مجرد واحد من طابور طويل لم يكتمل بعد "
بدا السؤال واضحا في عينيه وإن لم تنطقه شفتاه "
لم انت هنا اذن ؟! "
ولأنها تعرف جيدا كيف تقرأ عينيه حاولت تهدئته
حتى لا ينطق بهذا السؤال ، وحتى لا يجرح كبريائها فبذلت جهدا مضنيا في لحظات لترسم
ابتسامه رقيقة على شفتيها وتظهر بعض الحب في عينيها وهي تقول " ولكني لن انكر
انك الرجل الوحيد الذي استطاع تحريك مشاعري والاقتراب من قلبي "
لم يستطع منع نفسه من الكلام فنطق بكلمه واحدة
اودعها كل الغليان الذي يعتمل بداخله " مغرورة ، انت مغرورة "
انتفضت كمن لدغها عقرب وقالت بحدة " انا
لست مغرورة ، انت لا تعرف كيف تعامل امرأة مثلي "
اقترب منها وقال ببرود وهو يصوب نظرات حادة الى
عينيها " وما يميزك عن غيرك من النساء "
اربكها السؤال وافقدها القدرة على الاجابة
للحظات سألت فيها نفسها ، حقا ما يميزها عن غيرها من النساء ؟! ما الذي يجعله هو
أو غيره يتقرب اليها بهذا الشكل ؟! ، ولأنها ترفض الهزيمة وترفض ان يرى اي انسان
مهما يكن ضعفها او يشعر انها فقدت حجتها قالت بتردد " لقد قلت توا أني اجمل
النساء "
أجاب ببرود وفي عينيه نظرة شماته فقد عرف وقع
حديثه عليها " ما اكثر
الجميلات "
بدأت تهتز من داخلها وهي تقول " وقلت ايضا ان من يراني لا يملك
سوى الوقوع بحبي "
انتظرت ان يصدمها برد آخر فقد اخبرها حسها
الانثوي انه لم يعد يحتمل غرورها وشراستها في التعامل ، ولكنه صمت لحظات قام
خلالها من مكانه ودار حولها ووقف خلفها ووضع يده على شعرها الطويلةمربتا عليه
بحنان ابوي اشعرها انها عادت طفلة ، فاغمضت عينيها وتمنت لو نسيت للحظه طبعها
الحاد وتصرفاتها العدوانيه لتعود بحق طفلة
رقيقة وعفوية كما كانت ، ولكنها لم تستطع ، لاهذه المرة ولا اي مرة اخرى
ولاول مرة تشعر بالحنق على نفسها لانها دوما
تفسد حياتها وتفسد اجمل لحظاتها بتصرفاتها التي يصعب تقبلها ، فهي تتعامل مع من
يحبونها وكأنها في معركة ، كادت دمهة ان تهرب من اسوار اهدابها وتفر منحدرة على
وجنتها الوردية الحريرية كأوراق الزهر ولكنها منعتها عندما قال بعد ان ابتعد عنها
قليلا ولكنه لازال يقف يقف خلفها وكأنه يخشى مواجهتها " ما جذبني اليك
واوقعني في حبك هو نفسه ما ابعدني عنك رغم حبي "
قامت ملتفته اليه بحدة وهي تردد بدهشه " ابعدك
عني رغم حبك ؟ ماذا تعني ؟! هل تقصد انك ... لا .. انا لا اصدق "
تهاوت مرة اخرى على مقعدها وهي تتمتم بكلمات لم
يسمعها ، لاول مرة يرها بهذا الحال ، التزم الصمت حتى هدأت قليلا ، نظر الى عينيها
ولمح فيها تلك النظرة الحادة التي احبها دوما وهذا البريق الذي لم يعرف له سببا ،
أهو جنون أم شغف ام تراه بريق الحيوية المفرطة التي تنشرها حولها في كل مكان ، قال
بهدوء " شراستك تلك هي اول ما جذبني اليك ، طبعك الحاد ، كنت اراكي كقطة برية
لا تسمح لاي شخص بالاقتراب منها ، نظراتك يملأها التحدي كلماتك تشبه الطلقات
الناريه ، عيناك ترمي نظرات كالجمرات اذاةضايقك شخص ما ، وبعدها احببتك بكل ما فيك
، ولكن ... "
صمت لانه خشي ان يجرحها لو تحدث بما يدور بداخله
، فرفعت اليه عينان متسائلتان تتراقص بداخلهما الدموع ، رباه انها اول مرة منذ
عرفها يرى دمعات بعينيها الجميلتان ، ابعد عينيه عن عينيها بحركة عصبية وكأنه خشي
الضعف امام عينيها
"قطة" قصة قصيرة بقلم الكاتبة منى بيبرس
قالت بضعف " لقد قلت لك انك الرجل الوحيد
الذي اقترب من قلبي "
قال بحدة وهو ينظر الى عينيها ممكسكا بذراعيها "
ولكني لم امتلكه "
وكأن كلماته استفزتها فنظرت اليه نظرة غاضبة ولم
تتكلم فعاد يسأل بحدة اشد "اجيبي هل امتلكت قلبك ؟! "
ضربت منضدة صغيرة امامها بيديها بعنف وهي تصيح
بحدة جعلت صوتها اقرب الى الصراخ " انا لست قابلة للامتلاك ، قلبي ليس سلعة
يمكنك امتلاكها "
عاد اليه هدوءه وقال وابتسامة ساخرة تعلو وجهه "
هذا ما ابعدني عنك "
زادتةعصبيتها وهي تقول " مجرد رجل شرقي ،
أهذا كل ما تبغي ؟! أن تمتلكني ، تمتلك مشاعري وقلبي ؟! "
عاد يقولها بنفس الابتسامه الساخرة " هذا ما ابعدني عنك "
قامت واخذت تلملم اشيائها الصغيرة بعصبيه وهي
تردد " ابعدني عنك ، ابعدني عنك ، كم مرة سترددها ؟! " ثم قذفت كل ما
بيديها واقتربت منه مصوبة الى عينيه نظرة حادة وقد اسندت يديها على ذراعي مقعده "
ان كنت تريد الرحيل قلها صراحة ، وارحل " ابتعدت عنه واشاحت بوجهها بعيدا وهي
تقول بصوت خفيض " ام انك فقط تريد اذلالي ؟! "
مد يده والتقط يدها وضغط عليها برفق وهو يقول "
الاترين انه اصبح من الصعب ان نلتقي في نقطه ما ؟! "
تركت يدها بين يديه وتجولت على وجهه بعينين ملأتها
الحيرة وهي تردد في خفوت " انا لا افهم شيئ ، هل تريدني ام .. "
صمتت وكأن فكرة رحيله عنها مؤلمة لدرجة انها لم
تستطيع نطقها وان نطقت كل ملامح وجهها بهذا الالم ، فقال وعيناه تغرقانها حنانا
كعادته منذ عرفته " انت تريدين حبي كأي حب آخر ، تريدين قلبي واحدا من طابور
طويل من القلوب ملقاة تحت قدميك في انتظار رضاءك عنها ، ولكني اريدك لي وحدي كما انك حبيبتي الوحيدة ،
انت تريديني ان احبك وانت خلف حائط زجاجي تراكي عيوني وعيون الجميع ، تعجب بك
عيوني وعيون الجميع ، تريدين سماع كلمات
الاعجاب من كل الرجال ، يعشقك كل الرجال ، وانت .. انت محتفظه بقلبك بين يديكي لا
تمنحينه لاي انسان مهما بلغ حبه لك ، فأنا برغم كل ما ربطنا وكل ما اعطيتك من حب
واهتمام ورغم ثقتك بحبي كل ما استطعت ان اصل اليه ان اقتربت من قلبك ، هلا اجبتي
كم رجلا قبلي اقترب من قلبك ؟! "
"قطة" قصة قصيرة بقلم الكاتبة منى بيبرس
صمت لانه حقا لا يريد ان يجرحها بل كل ما اراده
هو ان يفتح عينيها على شيي قد يدمر كل حياتها .. او ربما تمنى ان تفيق ويستطيع
الاحتفاظ بحبها للابد
ارتسمت على شفتيها ابتسامة باهته بذلت جهدا
كبيرا لتظهرها على شفتيها الساحرتان وقالت " رجال كثيرين قبلك وقعوا في حبي ،
ولكن للحق انت الوحيد الذي قال هذا الكلام ، انت الرجل الوحيد الذي حاول اذلالي "
عادت اليها نظرتها الشرسة وبريق عينيها وهي تقول
" ما قلت هو رأيك وانت حر ، لقد اردت ان ابادلك الحب على طريقتك ، ولكني
احببتك بطريقتي ، تذكر في اول لقاءاتنا وصفتني بأني قطة برية واحببتني لذلك ولكنك
نسيت ، عندما احببت نسيت ان القطة البريه لا تربى في البيوت ، لا يمكن ان تضمها
بين ذراعيك والا غرست في عنقك اظافرها "
قال وكأنه يتمسك ببقايا امل " الا يمكن ان
استأنس هذه القطة ؟! الا يمكن ان تصبح قطة اليفة وتبقى معي ؟! "
اتجهت لباب الغرفه فتحته وهمت بالخروج والتفتت
اليه قائلة " القطط البرية تحيا حرة طليقة لا تقترب منك الا اذا ارادت ، ولن
تسمح لك بالاقتراب الا اذا احبت ، واظن
انه رغم كونك اول رجل كدت احبه لن استطيع ان ادعك تمتلكني لاني حرة ولست سلعة ،
وان اتعبني السير وارهقتني الحياة قد الجأ اليك ملتمسة بعض الراحة ، وان هزني يوما
برد الشتاء قد الجأ الى مدفأتك
طالبة
بعض الدفء ولكنى سأرحل بعدها لابقى كما انا ، وكما احب "
كان قد فقد كل امل ان يبقيها كما ارادها دوما
حبيبته وحده فقال " قد لا تجديني اذا طلبت الراحة او الدفء ، او ربما تجدين
قطة اليفة سكنت هذا البيت تمنعك من الدخول وقتما شئت وستشعرين حينها بالغربة وتتأكد كلماتك ان القطة البرية ليس لها مكان
بالبيوت "
هزت كتفيها في لامبالاة وقالت " وقتها
بالتأكيد سأجد بيتا ليس به قطة اليفة ويرحب بدخول قطة جميلة ناعمة الفراء تلتمس
بعض الدفء والراحة ، ويظل صاحب البيت يحلم بامتلاك هذه القطة كما فعل غيره ، ولكن
القطة ستفر هاربة بعد ان تشعر بالدفء قبل ان يغلق عليها باب "
انهت حديثها واطالت النظر اليه وحملت نظراتها
العديد من المعاني ثم استدارت راحلة في هدوء وتهاوى هو على مقعده واضعا رأسه بين
كفيه لا يدري هل يحزن على فراقها لانه بحق احبها ..ام يرتاح لانه يوما لم يمتلك
قلبها ؟!
ولم يدري سبب غضبها لرحيله اهو حب او مجرد
كبرياؤها يأبى ان يتركها رجل
ولكنها ستبقى ما بقي له من عمر اجمل قطة برية
صادفها
منى بيبرس
تعليقات
إرسال تعليق