القائمة الرئيسية

الصفحات

روايه بال بال بقلم محمد عبد الرحمن شحاته

 روايه بال بال بقلم محمد عبد الرحمن شحاته 


روايه بال بال بقلم محمد عبد الرحمن شحاته

روايه بال بال بقلم محمد عبد الرحمن شحاته


اسمي "أنابيل"، أسكنُ بلدةَ "ساغادا"، دائمًا ما أسلكُ ذلك

 الطريق الجبلي الواعر في جبال "كورديليرا"، يصطحبني أبي في رحلات الصيد التي يقوم بها؛ لذا اعتدتُ على رؤية النعوش الخشبية المُعلَّقة في الجانب المنحدر من الجبل، سألتُ أبي ذات يوم فقلتُ:

-لماذا يعلّقون النعوش هكذا بدلًا من وضعها في الحُفَر؟!

قال أبي بينما يُمسكُ بيدي؛ كي لا أتعثَّر:

-هكذا تفعل قبيلة "الإيغوروت" التي ننتمي إليها، إنها طقوس نقوم بها منذ ألفين عامًا.

هُنا توقَّفَ أبي فتوقَّفتُ، ظلَّ يُحدِّقُ في صخور الجبل، هُناك شيءٌ حاد يخدِشُ الصخور ، كأنَّ مخالبَ حديدية مرَّت من فوقها، تحسَّسَها أبي بيديه ثم نظرَ إليَّ وعاودَ الإمساك بيدي وهو يقول:

-دعينا ننصرفُ الآن.

كان الليل قد حلَّ حينما قطعنا الطريق نزولًا من فوق الجبل، بضع خطواتٍ تفصلنا عن بيتنا الخشبي القريب؛ لكنّي لاحظتُ أبي يتوقَّفُ مرةً أخرى أمام أشجار الموز التي تنمو على مقربةٍ من بيتنا، بينما يقترب من شجرة مقطوعة من أسفل جذعها، هنا جذبني أبي من يدي ثم أدخلني البيت، ثم تركَ أدوات الصيد خلف الباب قبل أن يغادر.

جلستُ بجوار أمّي وهي تُعدُّ طعامَ العَشاء، سألتني عن يومي مع أبي فأخبرتها بما حدث في الطريق الجبلي وأمام أشجار الموز القريبة، حينها تغيَّرت ملامحها واعتراها الخوف، ثم قالت:

-الجُثَّة.

لم تنطق بشيء آخر غير هذه الكلمة، حاولت الاستفسار عما تقصده فلم تجبني، التزمتُ الصمتَ حتّى عاد أبي الذي قال لأمي:

-سأبيتُ الليلة برفقة رجال القرية؛ كي نحرس النعوش المُعلَّقة.

هل يحتاج الموتى إلى من يحرسهم؟

هكذا سألتُ نفسي، إنَّ النعوش معلَّقة في الجانب المنحدر من الجبل، مثبَّتةٌ بقضبان معدنية تمنعها من السقوط، أما الجثث التي بداخلها فقد مرَّ عليها أعوام طويلة، فلماذا يتم حراستها إذًا؟!

أخبرتُ أمّي بما أفكِّرُ فيه، تحرَّرت من صمتها كي تفسِّرَ لي؛ لكنها أخبرتني بألا أخبر أبي بأنها قالت لي شيئًا، ثم قالت:

-هُناكَ جثَّةٌ حديثة، لم يمر على وفاتها أسبوع، والليلة هي موعد اكتمال القمر، إن "بَال بَال" يتسلل في ليلة كهذه كي يختار جثَّة بدأت في التحلل، ستمكِّنه حاسة الشم لديه من العثور عليها.

قلتُ والدهشة تسيطر على وجهي:

-"بَال بَال"!

قالت أمّي:

-مَسخٌ ذميم، لكنه يتَّخذ هيئة بشرية حتى لا يستطيع كشفه أحد، حتى إذا اكتمل القمر عاد إلى هيئته الحقيقية، بعينين حمراوين ومخالبَ حادة وأنياب قاتلة، يتسلل إلى المقابر  ليلًا؛ كي يحصل على وجبته المفضَّلة التي ينتظرها، يقع اختياره على أحدث جثة بدأت في التحلل، يفترسها ولا يترك منها شيئًا، ثم يضع في التابوت جذع شجرة موز، كي يظنّ الناس أن الجثة ما زالت بداخله.

أرعبني ما سمعتُ فقلت:

-إنها المرة الأولى التي أسمع فيها شيئًا كهذا.

قالت أمي:

-لم تعلِّق قبيلتنا النعوش على منحدر الجبل بلا سبب؛ بل لأنها تحمي الموتى من "بَال بَال"، إنه يتسلل كل اكتمال قمرٍ إلى المقابر ولا يرجع إلا بعد إتمام مهمّته؛ لكنها المرة الأولى التي يقترب من هنا، إن آثار المخالب على صخور الجبل بالقرب من النعوش وقطع شجرة موز قريبة لا تعني سوى أنه ينوي افتراس الجثة، لم يحدث ذلك في قبيلتنا منذ ألفين عامًا، منذ بدأنا تعليق النعوش على المنحدر الجبلي، لكنه الآن يفعل مالم يتوقعه أحد.

لقد انقطع حديثنا حينما انفتح الباب، دخل أبي؛ ليخبر أمّي أن رجال القرية قد اجتمعوا بالقُرب من النعوش، إنها فرصتهم للقضاء على "بَال بَال" وتخليص الموتى من شَرِّه، ثم أمسكَ بندقيّة الصيد وغادرَ مغلقًا الباب خلفه، رأيتُ الخوفَ على وجهِ أمّي؛ لكنها سرعان ما هدأت وانقشعت غمامة الخوف التي خيَّمت على ملامحها وقالت:

-لا بأس، إن "بَال بَال" لا يفترس سوى الجثث، إنه لا يقربُ الأحياء.

انتصفَ الليلُ فنامت أمّي، خرجت من البيت دون أن تشعر بي، لا أعرف لماذا أقوم بمثل هذه المخاطرة؛ لكنَّ الفضول كان أكبر من أن أتجاهله، مشيت بحذر متجهة نحو الطريق الجبلي، عيناي تنظران إلى القمر المكتمل بين حين وآخر، حتى اختبأتُ على مقربةٍ من رجال القرية دون أن يشعروا بي، بقيتُ وقتًا طويلًا حتى سمعتُ صوت أقدام تقترب، يصاحبه صوت فحيح مخيف، لقد بدا لي الأمر أنه فحيح أفعى الدِّينيك، أمسكتُ بحجرٍ كي أقذفها إذا اقتربت منّي، تربَّصتُ بها حتى لمحتُ خيالًا يقترب، تكوَّرتُ على نفسي في تلك الفجوة التي اختبأتُ بها حتّى مرَّ من أمامي، إنه "بَال بَال" يقتربُ من النعوش، بينما يصدرُ صوتًا يُشبه فحيح أفعى الدِّينيك وهو يتبع حاسة الشَّم لديه للوصول إلى الجثة.

يا لهول ما أرى! لقد اتخذ "بَال بَال" هيئة بشرية حينما اقترب من رجال القرية حتى اندسَّ بينهم، مرَّ الوقتُ حتّى ملَّ الرجال الانتظار، أخذوا يغادرون المكان واحدًا تلو الآخر، لم يتبقَ سوى أبي وعدد قليل معه، كان من بينهم "بَال بَال" الذي تسلَّلَ خفية نحو النعوش، وما إن اقترب من المنحدر الجبلي حتى عاد إلى هيئته الذميمة، تشبَّث بمخالبه في صخور الجبل متسلِّلًا إلى آخر تابوت قام أهل القرية بتعليقه، لقد شقَّ غطاء التابوت بمخالبه الحادة، أخذ ينهش الجثة بأنيابه، لم أستطع الانتظار فانطلقتُ إلى أبي الذي اندهش من وجودي، قلتُ له:

-إن "بَال بَال" يفترس الجثة.

لمّا نظر أبي والرجال الذين معه لم يجدوا شيئًا، كان التابوت مُغلقًا كأنَّ شيئًا لم يكن، حينها نَظر لي أبي وقال:

-من أخبركِ قصة "بَال بَال" وما الذي جاء بكِ إلى هُنا؟!

لكنَّ ما حدث أعفاني من أسئلة أبي؛ لقد تفاجأ الرجال بأنَّ "بَال بَال" ينقضُّ عليهم محاولًا إبعادهم عن المكان، لم يستطع أحد إصابته ببندقيته، لقد أعجزتهم سرعته عن ذلك، كل ما في الأمر أنهم أصيبوا بجروح بالغة من مخالبه؛ لكنَّه لم يحاول افتراس أحد، كما قالت أمّي هو لا يأكل سوى الجثث.

حاولَ أبي حمايتي، بينما قاوم الرجالُ انقضاضه عليهم، حتى أصابته طلقة طائشة حينما كان يقفُ على مقربة من حافة المنحدر الجبلي، سقطَ على إثرها من فوقِ الجبل.

قطعنا الطريق نزولًا من فوق الجبل، لقد تجمَّع الرجال حول جثة "بَال بَال" التي مزَّقتها الصخور، بدأوا في رَكلِه وتوجيه الضربات لرأسه بمؤخرة بنادقهم حتى مُزِّقَت الجثة تمامًا، قبل أن يجمعوا فوقها كثيرًا من الحَطب ويشعلوا النيران فيها حتّى تفحَّمَت تمامًا.

احتفالٌ في القرية بانتهاء شبح "بَال بَال"، ثُم أشيع الخبر في القرى المجاورة بأنه لم يعد هناك خوف على الموتى بعدَ الآن.

مرَّت أشهرٌ طويلة، لم يُذكَر فيها أن جثة قد تم افتراسها في ليلة اكتمال القمر، كان أبي يحكي كيف تم التخلص من "بَال بَال" كثيرًا، لم تمر ليلة إلا وأعاد سرد هذه الأحداث على من يجلس معه، حتى تلك الليلة التي كانت تسبق اكتمال القمر الثاني عشر من موت "بَال بَال"، كُنت عائدة من بيتِ جارتي مرورًا بأشجار الموز التي تنمو على مقربة من بيتنا، دخلتُ البيت فوجدتُ أبي يحكي لصديقٍ يجلس برفقته عن مغامرته التي باتت القُرى جميعها تعرفها، وأنه لم يعد خائفًا على الجثث التي تُدفنُ مؤخرًا، ولكنّي لم أُرِد أن أخبره أنّي رأيتُ شجرةَ موزٍ أخرى مقطوعة من أسفلِ جِذعها!

***


#بال_بال

#محمد_عبدالرحمن_شحاتة

#رعب_تيك_آواي

#أخصائي_رعب

تعليقات

التنقل السريع