" محمد الشناوي " فى مقال قوة عظمى بالاخضر

" محمد الشناوي " فى مقال قوة عظمى بالاخضر

قوة عظمى بالأخضر 

من السهل أن تكن دولة عادية و لكن من الصعب أن تكن سيد قرارك ؛ العالم له من يديره و إذا خرجت عن النظام سينهال عليك غضب القوة العظمى و خدامها ؛ لذلك فإن الحل هو أن تكن قوة كبرى مكافئة لمن يدعون قيادة العالم و أن يكن لديك من الادوات ما يجعلك لست في حاجه إليهم ؛ فقط في تلك الحالة يمكننا القول أنك سيد قرارك ..

الدولة التي سنتحدث عنها في المقال و سأراهن عليها هي قوة اقليمية و القوة الاقليمية تعنى انها ذات قوة في منطقتها الجغرافية التي تتبعها ؛ و نحن نريد تحويل هذه القوة الاقليمية إلى قوة عظمى و معنى القوة العظمى هي القوة التي تمارس هيمنتها و نفوذها على النطاق العالمي..

و لقد كشفت لنا الفترة الاخيرة و الصراعات الجارية – خاصة الصراع الروسي مع الغرب في اوكرانيا – اهمية و خطورة مصادر الطاقة بشكل خاص و الثروات الاخرى بشكل عام ؛ فعلى الرغم من العقوبات العالمية على دولة روسيا الاتحادية فلقد انكشف للعالم عجز تلك العقوبات عن ردع روسيا في وقف هذا الصراع و منع روسيا من تحقيق الامن لحدودها من خطر الناتو ..

و تلك الدولة التي سنذكرها هي مصر ..

و سيوضح المقال الاسباب التي ستحول مصر لقوة كبرى بعد أن تتحول لمصدر طاقة لأوروبا ؛ و هذا سيحدث لثلاث الاسباب سنطرحهم في هيئة اسئلة و هم :

اولا : لماذا ستتخلى اوروبا عن الغاز الروسي ؟

إن حلف الناتو يرغب في زيادة الضغط على روسيا من اجل كسر هيبتها و جعلها تتخلى عن موقفها في اوكرانيا ؛ و من هنا قد بدأت العقوبات الاقتصادية على روسيا الاتحادية و محاولة وضعها في عزلة ؛ و لكنك للأسف تجد أن العالم كله تأثر بتلك العقوبات ايضا و ليس روسيا فقط و خاصة دول الاتحاد الاوروبي التي كانت لها دور كبير في وضع تلك العقوبات على روسيا الاتحادية ؛ فنجد روسيا تضغط على اوروبا بسلاح الطاقة و هذا ما وضع اوروبا في ورطة كبيرة ستظهر اثارها بشكل اوضح مما هو عليه في الايام القادمة ؛ إلا إذا وجد الغرب البديل الافضل ؛ و فكرة البحث عن البديل لابد منها و ضرورية للغاية و دعونا نعرف الان من بعض الاحصائيات كيف تتأثر دول اوروبا من قطع الغاز الروسي عنها دون وجود بديل

نجد أن دولة المانيا 49% من غازها قادم من روسيا

فرنسا 24 %

بلجيكا 77%

بولندا 40%

لاتفيا و فنلندا 90%

مولدوفا 100%

البوسنة و الهرسك 100%

ايطاليا 49 %

" محمد الشناوي " فى مقال قوة عظمى بالاخضر

هذه الاحصائية توضح درجة اعتماد الغرب بشكل كبير على روسيا في مسألة الطاقة ؛ و اذا فكرت اوروبا في بديل فلن تجد بديل بنفس الالية و السرعة فمثلا فكرة انشاء خطوط انابيب - مشابهة لنوردستريم الروسية - من اي دولة اخرى ليصل غازها الى اوروبا ستستغرق سنوات مما سيجعلها تحت الرحمة الروسية لفترة كبيرة ؛ حتى و إن حدث ذلك فالكميات التي تستهلكها اوروبا ليست بالهينة و من الصعب ايجاد بديل يوفر نفس الكمية لاوروبا ؛ خاصة انها قارة انتاجية كبيرة و كذلك ذات طقس بارد أي انهم ايضا يحتاجونها اشد الحاجه للتدفئة ..

و كذلك الضغط يزداد بعد قرار تصدير الغاز بالروبل مما اثار غضب اوروبا و وضعها في موقف محرج و اوضح للعالم انها عاجزة عن الرد على تلك الضغوطات الروسية ..

و لذلك فإن القرار الامثل و الذي سيجعل اوروبا تتخذ قرارتها من دون خوف هو التخلي عن الغاز الروسي و ايجاد البديل

و هنا البديل هو الهيدروجين الاخضر المصري الذي سيتم تصديره لاوروبا بديلا للغاز الروسي

ثانيا : ما هي آليات و اسباب اتخاذ الهيدروجين الاخضر المصري بديل للغاز الروسي ؟

في البداية سنشرح ما هو معني الهيدروجين و كيف تتولد منه الطاقة .

فإنتاج الهيدروجين يحدث من خلال عملية فصل ذرات الماء المكونة من الهيدروجين و الاوكسجين ؛ فنقوم بفصلهم عن بعضهم ليخرج الهيدروجين و نستخدمه لتوليد الطاقة .

و الهيدروجين له طرق مختلفة للانتاج و تلك الطريقة هي التى تحدد اللون الذي سيطلق عليه ..

فمثلا إذا تم انتاج الهيدروجين من خلاص الغاز الطبيعي يطلق عليه الهيدروجين الرمادي .

إذا تم انتاج الهيدروجين من باستخدام الفحم فسيطلق عليه الهيدروجين الاسود .

اما اذا تم انتاجه عن طريق الطاقة النظيفة - طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية – يطلق عليه اسم الهيدروجين الاخضر ..

و لكى تختار اوروبا الهيدروجين الاخضر هناك بعض الآليات التي يجب أن تتوفر فيه كبديل للغاز الروسي ..

ومن اهم الآليات التي يجب أن تتوفر في بديل الغاز الروسي و الوقود الاحفوري بشكل عام من أي دولة هي أن يكون هذا البديل اخف ضررا للبيئة ؛ فلا ننسى أن هناك أزمة تضرب العالم ببطء و بدأت اثارها في الظهور ؛ إن ازمة المناخ لها اسباب عديدة و لكن اخطرها و اكبرها هو الوقود الاحفوري و لا ننسى أن دول الاتحاد الاوروبي هي اكثر الدول استهلاكا للطاقة نظرا لأنها قوة انتاجية جبارة ..

" محمد الشناوي " فى مقال قوة عظمى بالاخضر

ثانيا فإن هناك أزمة اخرى و هي اسعار الطاقة المرتفعة ؛ فبعدما تعرضت اوروبا للمساومة الروسية و اعلان روسيا أنها ستبيع الغاز للاتحاد الاوروبي بالعملة الروسية - الروبل- و بعدما رفضت دول منظمة الاوبك أن تخفض اسعار الطاقة - مما جعل الولايات المتحدة الامريكية تصرح أنها ستعيد النظر في علاقتها مع دول الخليج - فهذا يعرض اوروبا للخطر و توجيه ضربة لقدراتها الانتاجية و زيادة اسعار فواتير الغاز على المواطنين لأنهم يستخدمونها في التدفئة ..

حتى اذا فكرت دول الاتحاد الاوروبي في شراء الغاز من دول اخرى فذلك سيكون مكلف جدا لأنه سينقل من خلال حاويات و ليس كالغاز الروسي الذي كان ينقل من خلال انابيب ..

اذا فإن المعايير بإختصار هي :

اولا أن يكون صديق للبيئة .

ثانيا أن يكون بتكلفة غير باهظة .

ثالثا ألا يتعارض مع سياسة اوروبا خاصة حتى انتهاء الازمة الروسية الاوكرانية .

 و لذلك فأنا اؤكد لكم أن خير بديل هو في جمهورية مصر العربية ؛ فإذا استطاعت مصر توفيره في أسرع وقت ممكن فهذه أول خطوة لمصر على طريق القوة العظمى و تحقيق اهداف التنمية المستدامة و هذا البديل هو انتاج الهيدروجين الاخضر ..

ثالثا : كيف سيتم انتاج الهيدروجين الاخضر في مصر و كيف سيؤثر ذلك على سياسات الاتحاد الاوروبي مع بعض الدول ؟

كما وضحنا أن الهيدروجين الاخضر هو استخدام طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية في عملية التحليل الكهربائي للماء و يحدث هذا فصل في ذرات الهيدروجين و الاوكسجين فيخرج الهيدروجين و يطلق عليه الهيدروجين الاخضر ؛ لكن هناك شئ بالغ الاهمية و هو يجب ان تكون هذه العملية قليلة التكلفة حتى لا يصبح سعر الهيدروجين الاخضر مرتفع على المستوردين ..

و هنا الحل الامثل – و هذا ما سيجعل مصر تتميز – هو انتاج الهيدروجين الاخضر من خلال استخدام طاقة الرياح نظرا لأنها اقل انواع الطاقة تكلفة حيث تعد تكلفتها – كما اعلن السيد وزير الكهرباء في ديسمبر الماضي – حوالي 2.4 سنت دولار ؛ و هذا ما يجعلها متميزة ..

و هنا قد يطرح ذهنك عليك سؤال ؛ ألا و هو لماذا ستتميز مصر عن دونها في هذا المشروع و ليس مثلا دول الخليج العربي أو أي دول اوروبية اخرى ؛ و هذا يرجع إلى الطبيعة و منحة الاله العظيمة لمصر و هي موقعها الجغرافي المتميز ..

فإذا نظرت بأعينك على خريطة مصر ستجدها دولة مطلة على بحرين كبيرين مهمين ألا و هما البحر المتوسط و البحر الاحمر ..

و هذه المساحات الساحلية الشاسعة إذا تم استخدامها لإنشاء محطات توليد طاقة الرياح ليتم استخدامها لإنتاج الهيدروجين الاخضر ستصبح مصر رائدة فعلا في هذا المجال ..

و لأن مصر ايضا لها موقع متميز و يفصلها فقط عن اوروبا البحر المتوسط ؛ فإن هذا سيسهل الطريق لنقل تلك الطاقة اليهم ؛ و اثناء عمليات النقل فإن على اوروبا أن توفر شركات و تمويل لعمل مشروع خطوط انابيب مشابهه لخطوط الغاز الروسي ليسهل عملية الانتقال بشكل مما هو عليه لتصدير الهيدروجين الاخضر لاوروبا ..

و أنا ارى تصور لتلك الخطوط ؛ فهي ستخرج من مصر في انابيب و تصل إلى دولة ايطاليا لتكون هي المدخل إلى اوروبا ؛ و هذا ما سيحدث تغييرا في سياسات الاتحاد الاوروبي لأن ذلك سيكسب ايطاليا اهمية كبيرة جدا بالنسبة لدول الاتحاد ؛ و من ناحية أخرى فإن هذا سيحجم من دور تركيا و التي تسعى جاهدة لتكون محطة دخول الغاز لأوروبا حتى تستطيع التأثير على قرارها السياسي و تستغل ذلك للضغط على الاتحاد الاوروبي ليقبل عضويتها فيه و التي تم رفضها عدة مرات ..

إن هذا المشروع سيجعل اوروبا تتخذ قراراتها بشكل ذاتي السيادة ؛ و لن تفكر ابدا في اعباء الطاقة و مساومات روسيا ..

يمكننا ايضا تشكيل التحالفات و انشاء المنظمة - ارى ان يكون اسمها المنظمة الخضراء – و تضم عدة دول منهم من يساهم بالتمويل بالاموال ليساعد الدولة المصرية في انشاء محطات توليد الطاقة من الرياح ؛ و دعونا نسترشد بتصريح السيد وزير الكهرباء المصري بأن مصر تستطيع انتاج الهيدروجين الاخضر بسعر يصل 1.7 دولار / كجم و هذا ما يجعل مصر قادرة على وضع اسعار لا تقبل التنافس ..

 في الحقيقة إنها فرصة ثمينة لمصر من أجل تحقيق هذا الحلم الريادي و تحقيق الانتعاش الاقتصادي الذي يبحث عنه الناس ؛ و بالتالي سيتبع هذا المشروع انفتاح مرة و رغبة في العلم و التطوير و التكنولوجيا مما سيجعل مصر في الصفوف الاولى مرة أخرى ..