قصه قصيره لانك هنا بقلم زينب إسماعيل
إهداء/
إلى من فقد أمله الذي عاش عليه خلال رحلة الحياة، لا تفقد إيمانك حتى تصل للآخرة فهو طوق النجاة.
كلمة الكاتبة/
من بحث عن الأمل في وسط دروب الألم التي يحياها، عاش بحق.
المقدمة/
يمر المرء بابتلاءات عدة يختبره الله بها لأنه يحبه، وقليل من يقدر محبة الله تلك فيحظَى بنعيمي الدنيا والآخرة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إنما الصبر عند الصدمة الأولى".
***********************************************
القصة/
"كل شيء هنا يوحى بالبكاء، لم يعد لدي من الدموع ما يكفي لمحاولة جديدة لذا سأنتحر، التمس لي العذر فلم تكن الحياة بصفي أبدًا"
قرأت الرسالة بأعين مشدوهة، ولم أتمهل ثانية واحدة أخرى فربما تفرق تلك الثانية في حياته!
اندفعت بسيارتي وأنا أسير على غير هدى محاولًا الوصول لشقة حمزة، لا أعلم كيف يمكن أن تصل بنا الضغوط لتلك المرحلة؛ أعني فقدان الإيمان!
وصلت إلى باب منزله واكتشفت أنني كنت مصيبًا حينما قلت أن الثانية تفرق، فتحت الباب بنسختي الاحتياطية، وحينها حمدت الله أنني وصلت في الوقت المناسب.
_حمزة!
لم أنتبه إلى أن كلمتي ستفقده توازنه، سُحقًا!
لا أعلم كيف تمكنت من الوصول إليه قبل أن تزل قدمه ويسقط من الشرفة التي نوى أن يلقي بنفسه منها، من الطابق الحادي عشر يا حمزة!
ضممته بشدة أربت على ظهره وقد بدا لي أنه كان بحاجة لذلك، لقد افتقد هذا بشدة، بكى كما لم يبكِ من قبل، أعلم أن ما تعرض له ليس بهين، ولكن ألدرجة أن تهون عليه نفسه!
حمزة صديقي منذ زمن طويل، منذ عام كان بصُحبة والديه وزوجته وابنه في نزهة اعتادوا عليها، وسبقهم هو كالعادة لقطع التذاكر لدخول الحديقة وبعدها فوجئ بالسيارة تحترق بسبب تسرب الوقود دون دراية منهم!
توفي والداه وزوجته وبقي طفله الذي ألقته زوجته من السيارة فور أن انتبهت لما يحدث مشوها إثر ما ناله من الحريق لمدة عام كامل يعاني كثيرًا حتى لحق بهم!
كان متماسكًا طوال العام حتى فقد فلذة كبده، وكأنها القشة التي قسمت ظهر البعير؛ تحلّ الصدمات تباعًا، إلا أن بعضها يصبح خارج نطاق القَبول!
بكى العام بأكمله لحظة علمه بوفاة ابنه، لم أستطِع التهوين عليه، فأي كلام قد يجدي نفعًا في مثل تلك اللحظة، لم أتركه يومًا منذ هذا اليوم، ها قد مر أسبوع، فارقته بالأمس فقط لإلحاحه الشديد بحجة أنه يود الاختلاء بنفسه، لم يجُل في خاطري أنه أراد إبعادي ليتمكن من الانتحار.
وبعد ضمة طويلة أفرغ فيها كل دموعه، ابتعد عني قليلًا ثم قال:
_فاق الأمر قدرتي يا خالد.
أن يشعر المرء بفقدانه كل ما يملك ليبقى عاريًا في صحراء الحياة دون تعقُّل؛ ذاك هو الموت على قيد الحياة!
رق قلبي له فأنا أعلم كم الألم الذي لاقاه، وهنا خرجت عن صمتي لأقول:
_وهل الانتحار حلًا؟ أتحتمل أن تموت كافرًا؟ ليس هذا الحل يا حمزة، أعلم أن الأمر ليس بهين ولكن ما حدث قد حدث، ليسوا بحاجة لنحيبك المتواصل، وليسوا بحاجة لأن تفقد حياتك أو أن تخرج عن الملة، هم بحاجة لدعواك المستمرة، بحاجة لأن تكون بخير.
ثم تحدثت وأنا أمسك بيديه جيدًا:
_أنا بحاجة أن تكون بخير.
بكى بانهزامية شديدة وهو يردد:
_تعبت.
ربتت على كتفه مواسيًا:
_ليكن بعلمك أن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه.
رفع رأسه إليّ متابعًا بألم:
_لقد صعُب البلاء كثيرًا.
حاولت أن أبث بداخله بعض الأمل بقولي:
_فلتصبر!
عدت بذاكرتي من العام الماضي وقد أصبح حمزة الآن بخير حال بعد أن نجح في تخطي الأمر بارتباطه بأبناء الملجأ الذي أصبح مديره مؤخرًا.
استقام حمزة واقفًا بعد أن اكتفى من اللعب مع الأطفال في هذا الوقت الذي يوافق موعد تناولهم الطعام، ثم اقترب مني قائلًا:
_لم يكن الأمر سهلًا لكنك كنت هنا وكان هذا كفيلًا لأن يُحَل كل شيء.
ابتسمت وأنا أستنكر حديثه متسائلًا:
_ماذا تقول يا صاح! أولسنا إخوة؟
=بلى.
ربتت على كتفه معلقًا:
-إذن لا داعي للشكر.
نظرت نحو الأطفال أصحاب الابتسامات النقية التي هونت على حمزة كل عسير، لأسمع همسته باسمي:
_خالد.
عدت بنظري إليه مستفسرًا:
_ماذا؟
ابتسم وهو يقول بدفء:
=شكرًا لأنك هنا.
وهنا؛ ضممته مجددًا بحب لم ينقص ذرة واحدة على مدار سنوات رِفقتنا، وكم أهوى صداقتنا الصادقة!
***********************************************
الخاتمة/
كثيرون يقدر الله لهم أن يتألموا لحكمة لا يعلمها إلا هو، لكنه يمن عليهم دومًا بما يهون عليهم الابتلاء، ويا لهناء المبتَلى حين تكون منة الله عليه بصديق صادق.
***********************************************
لأنكَ هُنا.
تمت بحمد الله.
زينب إسماعيل.
تعليقات
إرسال تعليق