القائمة الرئيسية

الصفحات

الاب حرفان و إدارة تعريف بقلم مريم يوسف احتفاليه الاقلام الذهبية

الاب حرفان و إدارة تعريف بقلم مريم يوسف احتفاليه الاقلام الذهبية 

الاب حرفان و إدارة تعريف بقلم مريم يوسف 

الاب حرفان و إدارة تعريف بقلم مريم يوسف احتفاليه الاقلام الذهبية


احتفاليه الاقلام الذهبية 


المجد للقصص والروايات 

 الأب: حرفان و أداة تعريف

فى غرفة تعلو فيها الصرخات، كان هو يأكل الأرض أسفله من القلـ.ق و التو.تر، فاليوم زوجته تضع مولودها الذى طال إنتظاره، لا يعلم كهنه أو جنسه، فهم أصروا بأن يكون الطفل مفاجأة!، لتداعب فكرة ما شغاف قلبه بحنان و أبوة، ماذا لو كان مولوده طفلة!، يالله على هذه المسئولية، و لكن ما أجملها لحظة!، ليقطع الله الشك باليقين و يسمع صوت صرخات طفله الذى أنار الدنيا و قلبه بمجيئه للحياة، ليزيد من أسباب عيشه سببًا أخر و يطبح بكل الأسباب الباقية أرضًا ليعتلي هو المرتبة الأولى و بجدارة فى حربًا غير متكافئة انتصرت فيها العاطفة بجدارة كبيرة و أيضًا بنزاهة، فأى شعور يضاهي شعور الأبوة؟!

اتحميل لاب حرفان و إدارة تعريف بقلم مريم يوسف


لتخرج الممرضة و هى تحمل الطفل الباكي، لتقول بسعادة و هى تعطيه مولوده: مبروك يا يوسف بيه، بنت زي القمر تتربى فى عزك أنت و المدام.


أما هو فكان يهرب من حملها، فقدمه تخدرت و يكاد يقع أمام طفلة صغيرة لم تكمل الدقيقة لها بالحياة، و يديه ترتعش، و لكنها سلمته إياها، ليحملها بتبجيل و مهابة كبيرة و كأنه يحمل زجاج و ألماس غالي الثمن و يخاف بأن يقع و تنكسر، حتى الألماس لا يضاهيها فهو يحمل ما هو أغلى منه.


ليجلس على الكرسي الذى بجوار الغرفة فقد ينظر إليها، ليختزل العالم بها هى و يتوقف الوقت و تتوقف الحياة على تلك اللحظة، لتصمت هى عن البكاء، و تفتح عينيها و تنظر له ببراءة شديدة و هدوء ملائكي كبير، و ترفع يدها لتلمس وجهه الذى كان قريب منها، و كأنها تستكشفه، و عندما لمسته فقط لمسة صغيرة، أرتسمت إبتسامة بديعة على وجهها بحنان و براءة، أهلكت قلبه و أسرت بكامل جسده قشعريرة لذيذة، زادت من نبضات قلبه هياجًا، ليقول بحب و هو يقبل يدها الصغيرة جدًا: يا قلب أبوكِ إنتِ يا مريم، يارب أكون ليكِ نعم الأب يا بنتي، و أكون قد المسئولية دي و أوصل بيكِ لبر الأمان، أنا مش أبوكِ و بس، إنتِ أمي كمان، آه بجد أمي، أمي اللي هجرب معاها شعور جديد، اللي لما تكبر هتشيلني و تحميني و تختار ليا لبسي، و تقولي و تنصحني أعمل دا ولا لا!.


ليقول بعدها بمرح: هفضل أكبر و أربي و أسهر و يجي فى الآخر كلب يأخدك من حضني و هكون لسه مشبعتش منك، بس يارب متنسيش ساعتها أبوكِ طاحن السن.


ليظل يتحدث معها و كأنها تفهمه، و هى فعلًا كانت تتجاوب مع ردود أفعاله كأنها تفهمه، و لكنها للحق كانت تفهم نبضات قلبه التى كانت تروي لها ما عجز اللسان عن قوله و ما عجز عن إيحاكته فى هيئة كلمات، ليأخذها هى و زوجته أميرة للمنزل و تبدأ معهم قصة الأب و ابنته.


كان يسهر جوارها ليلًا عندما كانت تبكي، غير عابئ بعمله غدًا، فكان يقول بحب: مريومة تطلب و أنا أنفذ. 


و قد كان فعلًا، فهى كانت لا تنام سوى بحضنه و بحكاياته، فقد أهداها بسنها الصغير، كتاب موسيقي جميل، تفتحه تجد الموسيقى الهادئة تعزف منه لتنام عليه، و عندما كبرت أيضًا أهداها قطة لعبة، لتأخذها بأحضانها لتنام معها بهدوء و سكينة كالملائكة.


يتذكر أول مرة كانت تتحدث، عندما كان يحملها و يعلمها الكلام، كان يحرك شفتيه بحب و هو يطالعها و يقول: با..با.


ليجدها تحرك شفتيها و قد إحمرت وجنتها خجلًا و قالت: بب..با..با.


لتداعب نغمة صوتها بلقبه جدران قلبه و تجعله يتراقص على نغم صوتها الخافت الخجل، ليضحك و عينيه تدمع بقوة و يقول: يا عمر بابا و روحه إنتِ، أحلى بابا فى العالم سمعتها منك يا مريومة. مش مهم ماما خليها السنة الجاية، و خلينا فى بابا، لتضحك هى بطفولة لتتسع إبتسامته و يقبل خدودها الكرزية بحنان و يقول: الخدود التفاح دول اللي يتاكلوا أكل أعمل فيهم إيه.


لتمر السنين و تكبر مريم لتصل لسنتين، و تخطو أول خطواتها نحوه هو من يفتح لها أحضانه و يشجعها و يقول: يالا يا عمر بابا تعالي متخافيش، خليكِ باصة ليا يا حبيبتي.


لتخطو له بخطواتها الصغيرة غير المتزنة، لتصل له و تقع بين أحضانه، ليلتقطها هو بحماية و يقول بحب: براڤو يا عمري، لينهض و هو يحتضنها و ليلقيها فى الهواء، و يمسكها و يكرر فعلته وسط ضحكاتها الطفولية التى تنعش قلبه و تهب له الحياة، لتتسع ضحكاته و هو يقول: يا أخواتي جميلة إنتِ، كل الجمال دا ليا يا ناس. ليقبل وجنتها بحب و حنان و يدلف بها للداخل لينيمها.


لتمر السنوات أيضًا و تمرض عزيزته، ليحتضنها بخوف و قلق و كأن روحه ستسلب منه، فمجرد إرتفاع بسيط فى الحرارة قد ألهب قلبه بحمى الخوف و القلق على وحيدته التى أكتفى بها بالحياة، ليسهر جوارها و يعمل لها الكمدات، لتدلف عليه زوجته و تقول: قوم يا يوسف نام و سيبني أنا هسهر معاها.


لينفي بقوة و يقول: لا روحِ إنتِ نامِ، أنا هفضل جنبها و مش هسيبها ولا هخذلها.


لتقول هى: طب و شغلك.


ليجيب هو بسرعة: يولع الشغل يا أميرة من إمتى كان فيه حاجة أهم من بنتي؟!.


لتربت على كتفه و تدلف هى لتنام تاركة ابنتها مع والدها الذى كان يربت على جبينها بحنان و يقبله ليقول: لو الحرارة عنيدة، فأنا أعند منها يا مريم، عمري ما هسيبك بس تقولي "أي" أو تحسِ بألم و إلا كدا أنا مليش لازمة. إنتِ قوية يا مريومة، و أنا قوي بيكِ يا حبيبتي متسيبيش الحرارة دي تغلبنا يا عمري.


لتمر السنين أيضًا ليحين موعد أول يوم دراسي لمريم بالمدرسة، ليقول يوسف بإيصالها، ليصبح فراقها على باب المدرسة، كفراق الأحباء و كأنها ستسافر، ليرفض كل منهم التخلي عن الآخر و لكن لحسن الحظ كانت معهم أميرة لتقنع كلًا منهم بالذهاب. و لكن كان قلق يوسف ينهشه، و العديد من الأسئلة تدور بخلده، ماذا لو صرخت بها المعلمة؟، ماذا لو بكت؟، ماذا لو ضايقها أحد أصدقائها؟، ماذا لو خافت؟، ماذا لو لم تأكل بشكل جيد؟، و العديد و العديد من ماذا، ليكون هذا اليوم أشبه بجحيم معاش عليه و على قلبه.


لتمر السنين أيضًا و تأتيه مريم مهرولة له باكية و تقول: بابا المس فى المدرسة أخدت مني الورقة بعد ما لمتها مني و قالت إنها هتعمل محضر غش علشان كنت براجع مع زمايلي و هى قالت محدش يتكلم، فلما عيطت، علشان شوفتها مسكت ورقتي، و زمايلي قالولها إني بعيط قالت ليا إتفلقِ.


ليقول هو بغضب: إتفلقِ، طب يا حبيبتي أنا بكرا رايح معاكِ المدرسة دي و هقابل المس دي.


و بالفعل كان واقف هو امام المدرسة صباح الغد و قد طلب رؤية تلك المعلمة و كل ما يراه هو دموع ابنته، نسى آداب الحديث و نسى كل شئ، لتظل دموع قهرة ابنته أمامه فقط. ليحدث مشكلة على أثرها إنتقلت تلك المعلمة من تلك المدرسة لمدرسة أخرى، و قد حصلت مريم على المركز الأول فى تلك السنة.


لتمر السنين عليهم أيضًا و تأتي مرحلة ثانوية عامة، لتظهر النتيجة، و قد كانت كالصاعقة التى حلت عليهم، كالبرق الذى يضرب الكهرباء و العشب الجاف، ليضرم به النيران و يتركهم يحترقون، فقد كانت نتيجة مريم ٨٣,٤١٪.


لتبكي هي و تضرب وجنتها بهستيريا كأن قد ما.ت لها عزيزًا، ليرحل يوسف لعمله بجمود و صمت و لكن داخله يتمزق على حال ابنته و حلمها الذى تُرِكَ رمادًا، أزاحته الرياح ليتراقص سرابه أمامها، و هى غير قادرة على الوصول إليه، ليبكي هو بعمله و يضع يديه على قلبه و يقول: حقك عليا يا بنتي، حق ألـ.مك عليا يا حبيبتي، حقك عليا.


ليعود للمنزل و يجدها تبكي بغرفتها و تقول: ليه دي كانت الطريقة الوحيدة اللي أفرح بيها بابا، كسرته وجعتني قوي يا ماما، نظرته وجعتني، حلمه، حلمنا إتكسر قدامنا، يشهد ربنا إني كنت عايزاها علشان يفرح بيا و أعوضه عن حرمانه لنفسه من حاجات كتيرة علشان خاطري.


لتجد يوسف يدلف و يحتضنها و يقول و هو يربت على ظهرها و رأسها: انا موجوع عليكِ يا بنتي، موجوع و حزين على حلمك، موجوع علشان شايفك تستاهلِ بس مش قادر أعوضك و أدخلك جامعة خاصة، سامحيني يا بنتي، سامحيني عجزي و فقري. أنا فخور بيكِ يا حبيبتي فى أى مجال تبقي فيه، واثق إنك قادرة ترفعِ رأسي فى السماء.


لتحتضنه و تقول بحب و هى تمسح دموعه: متقلقش يا بابا هوصل ليها برضو، حتى لو هتعب لكن هوصل ليها. و أنا مش زعلانة، و عمري ما أضغط عليك أبدًا.


لتمر السنين و يأتي موعد تخرج مريم و قد كانت الأولى على دفعتها فى كلية تمريض و قد حصلت على بعثة لدراسة الطب فى أكبر الجامعات الأوروبية، لتقف على منصة التخرج و قد طلبت من والدها أن يصعد على المنصة و قد ألبسته هو رداء التخرج بحب و دموع فى عينيها و قالت و هى تقبل يده بحب: شكرًا يا بابا، إني وصلت لهنا كله بفضلك إنت، شكرًا لوقوفك جنبي، شكرًا انك كنت بتدعمني، و كنت واثق أن مش كلية اللي هتحدد أنا مين، ولا كنت موقف عليها حبك ليا. شكرًا لإيدك اللي كبرتني لحد ما وصلت هنا، شكرًا لتعبك و محبتك اللي خلتني أوصل للحظة دي و أبقى واقفة قدام زمايلي و أفتخر بيك.


لتختم كلامها و هى تقبل رأسه بإجلال و تعظيم وسط تصفيق الحاضرين لها، ليقبل هو رأسها و يحتضنها بحب، لتقول هى بمرح: بس إيه الحلاويات دي يا واد يا يويو كدا أخدك و أهرب ولا عزاء للست الوالدة.


لتتعالى ضحكاته و يقول: آه يا بكاشة.


لتقول هى بمرح: متستهونش بنفسك يا يويو دا إنت لسه شباب، لولا بس إنك أبويا، كنت خدتك و حبستك و مش هسيبك إلا و إنت كاتب عليا، و أشغل فى الفرح، أبويا طلق سماح و خطبني.


لتتعالى ضحكاته بصخب و هو يحتضنها بقوة و يقول: طب ما تشوفِ ليا عروسة على ذوقك.


لتقول هى بضحك: ليه و ماما مش نافعة ولا إيه، بس علشان مروحش أوقع بينكم.


ليقول هو بسخرية مصطنعة: ربنا يخليكِ للخير، أصيلة يا بنت يوسف والله.


لتقول و هى تغمز له: دا لزوم إني اتجوزك مش أكتر.


لتنتهى الحفلة وسط ضحكاتهم و مزاحهم معًا.


لتمر السنوات أيضًا لنجد مريم جالسة أمام والدها بتوتر لتقول: بابا هو فيه حد طالب يقابلك.


ليقول بعدم فهم مصطنع: و هو طالب يقابلني ليه.


لتقول بتوتر: أصل... أصل هو يعني....


ليربت على كتفها و يقول بحنان: قوليلي يا مريم خايفة ليه، أنا مش هعمل حاجة.


لتقول بسرعة و هى مغلقة عينيها كعادتها: عايز يطلب إيدي منك.


ليبتسم لها و يقول: كل دا علشان خاطر عايز يتقدملك. طب هو مين و شوفتيه فين؟.


لتقول هى بهدوء بعد أن سرت الطمأنينة بقلبها: أنت تعرفه هو دكتور أبانوب، اللي معانا فى الكنيسة.


ليقول بإبتسامة: طيب و مش دكتور أبانوب عارف رقمي.


لتجيب هى و قالت: أيوه معاه و أنا عطيته ليه.


ليقول يوسف: طيب خليه يكلمني علشان أحدد معاه ميعاد و نتقابل.


لتومأ هى برأسها بإبتسامة خجل و ترتمي بأحضان والدها الذى كان يربت على أحضانها بشرود، فها قد أتت اللحظات التى ستبتعد فيها ابنته و والدته عنه. ها قد بدأ العد التنازلي!.


لتمر الأيام و يأتي أبانوب ليتقدم إليها و يتم الموافقة عليه و تبدأ فترة الخطوبة، لتعود له مريم فى يوم ما و هى على غير عادتها، ليدلف عليها غرفتها و يجدها تبكي، ليغلق الباب بقلب يتآكله القلق و لكن قد قرر بأن يعطيها مساحتها حتى تتصرف و تعتمد على نفسها و تعرف كيف تكون المسئولية. و لكن أبوته قد انتصرت عليه، ليطلب أن يحدثها فى غرفته بينما أميرة تحضر الغذاء، ليقول: مالك يا مريم، كنتِ راجعة إمبارح زعلانة حاجة حصلت؟.


لتقول مريم بحزن: أبانوب يا بابا على طول مشغول و مش بيسأل عليا و بطل يهتم بيا خالص، و أنا مش متعودة على كدا منه.


ليبتسم لها يوسف و يقول بحب و عقلانية: الدنيا تلاهي يا حبيبتي و هو دكتور جراحة و عنده مسئوليات، و إنتِ دكتورة كمان و عارفة هو تعبان قد إيه، و بعدين لو هو بطل يهتم متبطليش إنتِ، لو مفيش نقطة تتقابلوا فيها، تعملِ إنتِ واحدة ليكم، متخليش المشاغل تأخدكم من بعض، هو أكيد بيحبك و لكن مشغول، إعزميه النهاردة على العشاء و أهو فرصة تحكيله إيه اللي مضايقك و شوفوا هتحلوه إزاى و لو مقدرتيش تتأقلمِ على الحال دا، يبقى متجبريش نفسك تفضلِ فيه. ليختم كلماته بنظرة فهمت هى مغذاها.


و قد كان و أتى أبانوب ليتناول العشاء ليأخذه يوسف للبلكونة و يحادثه و كانت مريم تساعد والدتها بإدخال الطعام و إعداد كوبان من الشاى لوالدها و خطيبها و تفكر بكلمات والدها، بينما قال يوسف: بص يا أبانوب يا ابني، انا عارف ان الدنيا تلاهي و مشغوليات، لكن مش معنى كدا تهمل نفسك و بيتك و مراتك، الست عايزة الكلام الحلو و اللي يحسسها إنها محور الكون حتى لو مكانتش كدا، الكلمة الحلوة اللي تطيب خاطرها، تقولها تسلم إيدك على الأكل اللي فضلت واقفة من الصبح تعملهولك بكل حب حتى لو محروق حاجة بسيطة أو ملحه و شطته كتيرة، قولها الكلمة الحلوة و بعدها علق براحتك، شكر فى جمالها حتى لو هى كانت مهملاه و ريحتها توم و بصل من الأكل و شعرها محروق و منعكش و مليان تراب من نظافة البيت، بيتك أمانك يا أبانوب أهتم بيه، أتعود كل مشاكل الشعل متدخلش بيتك، ترميها على عتبة بيتك من برا، شاركها تفاصيل يومك و أسمع تفاصيل يومك حتى لو مش مهمة، كفاية تشوف أهتمامك و دا عندها بالدنيا، إنت دكتور و شاب و مليون بنت تتمناك، طموح و دا اللي جذبني ليك، لكن بنتي برضو من لحمي و من دمي و يعز عليا اشوفها زعلانة و حزينة، حاول تسعدها و متزعلهاش أنا بديلك قطعة من روحي، و لو شايف ان الدنيا هتلاهيك عنها، يبقى تسيبها و تشوف الدنيا، لكن لو هتقدر توازن، فأنت زي ابني اللي مخلفتوش.


لتدلف مريم بالشاى ليأخذ يوسف كوبه و يدلف للداخل و يتركهم ليتحدثوا و يتصافون براحتهم، ليعتذر كلاهما لبعضهما، كاد أن يمسك ابانوب يدها ليسمع صوت يوسف القائل بغيرة: شايفك يا كلب، مش معنى إني فاتحلك بيتي إني سايبلك الحبل على الغارب و سايبلك بيتي على البحري، متنساش نفسك يا عسل و إلا والله أفسخ الخطوبة، و بعدين أنا بس اللي أقولها مريومة.


لتخجل مريم بشدة و يضحك أبانوب و بعدها يستأذن لكي يذهب.


لتمر الشهور و يأتي اليوم الذى ظل يوسف يهرب منه و يماطل على مجيئه، و هو يوم زفاف وحيدته، أو اليوم الذى ستبتعد فيه مريم عنه، ليدخل غرفة الفندق التى هى به، و يتوجه نحوها و هو يضع لها الطرحة البيضاء على رأسها و دموع بعينيه و يديه ترتعش بقوة و يقول بحب و دموع: كأن أمبارح هو اليوم اللي كنت شايلك فيه على إيديا لما طلعت بيكِ الممرضة بعد ولادتك، ساعتها حسيت بمشاعر كبيرة قوي قوي، حسيت بأن الدنيا بقت حاجة صغيرة قوي قوي قصادك، حسيت إني صغير قصادك و قصاد المشاعر اللي هاجمتني و أنا أعزل أول ما شيلتك، مشاعر مقدرتش أحاربها أول ما شيلتك، و أحاربها ليه؟، و هى منك و ليكِ، مكنتيش بنتي بس، كنتِ صاحبتي و حبيبتي و أمي و أختي، كنت عكازي و سندي و ونسي و نور و ضي عيوني ولازلتِ، تعرفِ أول ما شيلتك، قولت: هفضل أكبر و أربي و يجي الكلب يأخدك على الجاهز. 


ليبتسم هو و هى بين دموعهم، و يقول هو بدموع: آخر حاجة هعلمهالك يا بنتي، إنك تراعِ جوزك و تحترميه و تكبرِ بيه قدام الناس، سيبيله هو يمسك الدفة و إنتِ حطِ إيدك على إيديه متعانديش و تعملِ رأسك برأسه، دا مهما كان راجل و كبير و يعرف أكتر منك، إنصحيه و أقفِ جنبه وأدعميه كأنك راجل وراه، خليكِ سند و حيطة صد لو مال تحامي عليه و تسنديه. أوعى فى يوم تجرحيه ولا تسخرِ منه، بالعكس عامليه كأنه مبيغلطش قدام الناس و لكن بينك و بينه عاتبيه و فوقيه و إنصحيه، سرك فى بيتك محدش يعرف عنه حتى أنا أو أمك، صونِ عرضه و شرفه و سره، أحترمِ عدم وجوده قبل وجوده، خليكِ فاكرة، أن المرأة الحكيمة تبني بيتها و تمنها يفوق اللآلئ، و طول ما إنتِ بتغلي نفسك فى عينيه، و بتغليه و تكبريه، هو هيعمل كدا.


لتحتضن هى والدها و تقبل يده و رأسه بإجلال لهذا الرجل العظيم، الذى لم تر منه سوى كل خير و حب و دعم و أبوة و محبة و أمان و ملجأ لحزنها و فرحها و ألمها و رحبها، لتقول هى بحب: يا بختي بيك يا بابا، يا بختي بيك، يا بختي و أنا ماشية فى الشارع و الناس بتقول عليا بنت يوسف راحت و بنت يوسف جت، يا بختي و أنا ماشية معاك رأسي مرفوعة و بشوف نظرات أحترام الناس لينا، يا بختي بحكمتك و ذكاءك و صبرك و حبك و حنانك و عصبيتك اللي عمرها ما أذتني بالعكس كانت ملجأ و حماية ليا ، يا بختي بالأمان اللي كنت بحسه بصوت مفتاحك و إنت راجع من الشغل، يا بختي لما الناس تشبهني بيك و بحنانك و حبك و قلبك، يا بختي بمكلماتك و أنت بتطمن عليا، يا بختي بكلامك الحلو اللي شبع عواطفي و حسسني بقيمتي، يا بختي لما بتتقل و أنا بصالحك علشان تعرفني غلطي و مكررهوش، يا بختي بحضنك اللي بنسى فيه الدنيا كلها، يا بختي برأيك و حكمتك و عقلك، يا بختي بمواقفك معايا اللي كنت بفهمها بعدين، يا بختي بإستقامتك و أمانتك اللي بتخلي رأسي مرفوعة قدام الناس و مش مخزية، يا بختي بسلامك و أمانك اللي ورثتهم منك، يا بختي بقلقك و خوفك عليا لما أخبي عنك حاجة، يا بختي لما بتعلمني أعتمد على نفسي حتى و أنت شايف دموعي بس مش بتقول، بتسيبني لما أهدى و بعدها تتصرف، يا بختي لما بتخاف تكسفني و تحسسني أنك شايف ضعفي و على طول نظرات عيونك بتحسسني إني أقوى بنت فى العالم و أنا أصلًا قوية بوجودك، يا بختي بيك سند و ضهر و عكاز أميل عليه ألاقيه موجود، يا بختي لما ألاقيك على طول بجري عليك و أشكيلك، أصل هروح لمين غيرك!، يا بختي بيك و بضلك اللي مهما كبرت هيفضلوا على طول ملجأى و ملاذي فى الدنيا، ربنا يديمك ليا و ميحرمنيش منك و من حسك اللي مالي عليا الدنيا يا أحن أب.


لترتمي بأحضانه و هى تبكي و تشدد من أحضانه و هو يفعل كذلك معها و يقبل رأسها بحنان و حب كبيران و كل ذكرياتها تمر فى عقله فهو الوحيد القادر على تذكرهم كلهم بدون أن ينسى واحدة، أول خطوة، أول كلمة، أول ضحكة، أول بسمة، و أول دمعة، كانت هى أول كل شئ، و كان هو أول كل شئ أيضًا بحياتها، فارسها و حاميها و حارسها و حبيبها الأول و لن يقدر أحد أن ينتزع الأفضلية منه أبدًا، ليتماسك هو بقوة و يمسح دموعها بحنان و قال بمرح: إيه رأيك نلغي الجوازة أنا لسه مشبعتش منك، و بعدين خسارة الجمال دا كله فى ابانوب بصراحة، تعالي نهرب مش إنتِ على طول بتقولِ ليا كدا؟.


لتضحك هى و تقول بحب: يالا و بعدين أنت جمالك غطى على أى عريس أساسًا.


ليضحك هو بمرح و يقول: هتفضلِ طول عمرك بكاشة، يالا علشان أتأخرنا على عريسك، بلاش دموع أحسن يفتكر إنك مجبورة و يلغي الجوازة، ولا أقولك عيطِ.


لتضحك هى و تقول بمرح: لزوم الهروب أنا و إنت، و إنها تيجي منه و يلغي الجوازة.


ليومأ برأسه و يقول: ما هو مش حلال ليكِ و حرام عليا.


لتقول هى و هى تتآبط بيده و ينزلان للأسفل: وجهة نظر برضو.


ليبتسم لها و كل خطوة يخطوها بذكرى تتوهج بعقله حتى وصل لأبانوب و قال كلمات و هو يسلمه ابنته أبلغ من أى كلمات أخرى: بص يا ابني مفيش كلمة توصف أنا بديك إيه، هى أغلى من روحي و أغلى من قلبي و عمري و عينيا، أغلى من أغلى حاجة، دى نجمة عالية فى السماء أتنازلت زمان من علاها و جات ليا و نورت حياتي، و جه اليوم اللي بديهالك علشان تنور حياتك و حياتي ترجع مضلمة من تاني، حافظ عليها أمانة عليك، أنا دوقت الضلمة اللى كانت من غيرها و عارف بقولك إيه، ربنا يقويني على تحملها مرة تانية، فمش سهل أتخلى عن النور بتاعي، لكن اللي مطمن قلبي إني عارف إنك هتصونها و هتخلي بالك منها.


ليمسك أبانوب يد مريم الباكية ويقول و هو يقبل يده و رأسه: متقلقش يا عمري فى عينيا و جوه قلبي كمان، شكرًا على ثقتك اللي عمري ما هكسرها أبدًا.


لتتوجه مريم مع أبانوب لداخل الكنيسة لتبدأ حياة جديدة ليقف يوسف فى الخلف يشيعها بدموعه و روحه و نبضات قلبه و ذكرياته معها، فهذا هو الأب، الأب الذى يعجز وصفه بالكلام، الأب الذى يضع مشاعره بالأفعال، الأب الكلمة التى هى أبلغ من أن يتم وصفها، لتقف أمامها حائر مسكين لا تجد ما يصف هذه الكلمة من حجمها الكبير بالرغم من إنها حرفين و أداة تعريف و لكن هذان الحرفان و معهم أداة التعريف قد قررا أن يكون لهما معنى أسمى و أكبر، فقد قرروا أن يكونوا الأب.


#بقلمي_مريم_يوسف_زكي

#أزرا❤️🖋️💫

تعليقات

التنقل السريع